الأحد، 26 أغسطس 2007

من سنة بابا كان معانا في الدنيا

سنة مرت على رحيله
كتير باتأمل في الموت و انتقال الانسان من حالة لحالة
خلاص بابا ما بقاش يفرق معاه اللي بيحصل في الدنيا
سابنا في الاختبارات اليومية و الابتلاءات و معترك الحياة
و هو خلاص كده خلص الامتحان بتاعه و سلم ورقته
ياااااااه.. بأه هي الحكاية كده؟
كل اللي يخلص مهمته في الدنيا و يحين وقت الرحيل.. خلاص بيسيب الدنيا باللي فيها و يمشي..
قبل بابا ما يتوفى بيومين اداني مفتاح درجه.. سألته اعمل بيه ايه؟ قال لي خليه معاكي؟
سألته ليه؟ راح زق ايدي ما معناه خليه معاكي و ما اتكلمش.
يا ترى كان حاسس انه خلاص؟ ماشي من الدنيا؟

سبحان الله.. يوم وفاته خلاص كل شئ انتهى
معاناته مع المرض انتهت.. و معاناتنا مع مرضه برضه انتهت
بس انتهت معاها ضحكاته و ابتساماته.. قفشاته و ضحكاته..
خوفه و قلقه عليه.. اتأخرت برة او رجعت من الشغل تعبانة
كله انتهى مع خروج آخر نفس من أنفاسه.. بس انتهى في الدنيا
انما هو بدأ حياة جديدة في الآخرة ربنا يتولاه فيها برحمته و عفوه
و احنا بدأنا حياة تانية بدونه.. عدى منها سنة و ربنا يهون الباقي و يلحقنا به على خير

بابا.. يا رب تكون مت و انت راضي عني.. يا رب تكون دلوقتي في مكان احسن.. انت عمرك ما فوت فرض لأي سبب ايا كان.. حتى و انت في شدة مرضك.. حتى و انت مش مدرك انتي بتعمل ايه.. كنت بترفع ايدك بالتكبير و تدخل في الصلاة و احنا مش في وقت صلاة خالص.. كنت بتصلي الفرض مرتين و ساعات تلاتة.. يا رب تقبل منه ياااا رب

في كلام كتير عايزة اقولهولك.. بس مش قادرة.. دموعي سابقاني.. و انت معانا كنت باقول لك ادعي لي.. دلوقتي مش قادرة اقول لك غيير.. واحشني اوي. ..

السبت، 4 أغسطس 2007

واحشنا يا أستاذ مطاوع






مقالة رثائية بقلم الأستاذ عزت السعدني، كتبها في أهرام السبت التالي لوفاة أستاذنا الراحل عبد الوهاب مطاوع.. انا عن نفسي باعتبرها من أكثر ما كتب عنه تأثيرا.. رحمك الله يا استاذي و.. واحشنا.
-------------------------------------------------


نحن نأتي إلي الحياة مغمضي العينين مسلوبي الإرادة لا نعرف من أين أتينا‏..‏ ولم‏..‏ ولا ندري إلي أين المصير؟وبعيدا عن الفلسفات والإغراق في بحور التأمل ـ فإن الحقيقة الوحيدة التي تلمع كشمس الظهيرة ولا حقيقة قبلها ولا بعدها‏..‏ أننا ركاب قطار واحد اسمه قطار الحياة‏..‏ نحشر فيه كلنا لا فرق بين صاحب امارة وساكن حارة‏..‏ من أهل الجاه‏.‏ أو من أهل الآه‏..‏ حاكم عادل أم حامل معاول‏..‏ الحق كتابه ودينه أم الباطل صديقه ورفيقه‏..‏ لكل واحد منا في هذا القطار مقعده ومكانه‏..‏ منا من يركب في عربات مكيفة ومنا من يركب السبنسة ومنا من يهوي السطوح بلا تذكرة‏..‏ كل حسب نصيبه من الدنيا التي يركب قطارها الذي يمضي ويمضي ويمضي‏..‏ لا يتوقف إلا بإذنه تعالي ولا يقف إلا بميعاد في جدول محفوظ‏..‏

وعندما تجيء محطة إنسان منا‏..‏ يصعد إليه المنادي يا فلان يابن فلانة‏..‏ هذه محطتك قد أتت وهذه ساعتك قد دنت‏..‏ فانزل من قطار الحياة‏..‏ ولن يفيد هنا بكاء أو عويل‏..‏ فكتابه في الدنيا قد أغلق ورفع يحمله معه إلي الديان في يوم الحساب‏..‏ ويا له من يوم ويا له من حساب‏..‏ بعد أن تجرد من كل ما له في الدنيا ما له جاهه رفاقه أهله‏..‏ لا يبقي له من رفيق إلا كتابه‏,‏ خفت موازينه أو ثقلت‏..
ولقد نادي المنادون علي من وضعناه في حنايا الصدور‏..‏ دون كلمة وداع ودون أن يمهلنا القدر ولو دقائق معدودات لنقول له كم كنا نحبه‏..‏

كم كنا نحفظ عهده ونتبع سجاياه وخلقه الكريم؟
ولأننا لم نقل له ما في صدورنا‏..‏ فقد كتبت إلي العزيز الغالي عبد الوهاب مطاوع هذه الرسالة‏..‏ رسالة إليه في مقعد صدق عند مليك مقتدر‏.‏

عزيزي عبد الوهاب‏..‏هذه أول رسالة إليك وآخر رسالة‏..‏ لأنه لم تكن بيننا أي رسائل أو مكاتبات‏..‏ ونحن نعيش ونتنفس ونتحرك ونذهب

ونروح ونجيء ونتنافس في عشق مخلوقة واحدة أسمها صاحبة الجلالة الصحافة‏..‏ولأنها صاحبة جلالة وذات سلطان وصولجان‏.‏ فقد ملكت علينا طوال عمرنا الصحفي حياتنا وصرنا أسري سحرها ومفاجآتها وشطحاتها‏..‏ ونسينا حتي أنفسنا وبيوتنا وأولادنا‏..‏ لم يفرق بيننا شيء‏..‏ صبحا وعشية‏..‏ ليلا ونهارا‏..‏ عزيزي عبد الوهاب‏..‏لقد كنت ثالث ثلاثة‏..‏ قال عنهم أستاذ الصحافة المصرية في زمانهم ومعلم الأجيال الصحفية الكاتب الكبير الأستاذ جلال الحمامصي بالحرف الواحد‏:‏ إذا كان الأديب الفرنسي الشهير الكسندر ديماسي الأب قد كتب قصته الشهيرة الفرسان الثلاثة وأبطالها‏:‏ اراموس وبورتوس ودارتانيان‏..‏ فإن في الصحافة المصرية الآن فرسان ثلاثة يقودون جواد التحقيق الصحفي نحو التألق والإبهار‏..‏

من هم هؤلاء الفرسان الثلاثة؟لقد كانوا أنت‏+‏ محمد زايد‏+‏ أنا‏..‏لم يذكر أستاذنا في الصحافة والجامعة جلال الحمامصي من منا كان اراموس
ومن منا بورتوس ومن منا دارتانيان؟

عزيزي عبد الوهاب‏..‏النساء عادة لا يستمعن إلي كلام الرجال‏..‏ وإذا استمعن لا ينفذن إلا ما يطيب لهن منه‏.‏أما أنت‏..‏ فإنك الرجل الوحيد في بر مصر كله الذي تسمع النساء كلامه‏..‏ كل النساء بدون أستثناء‏..‏ يستمعن إلي كلامك ويأتمرن بأوامرك ويبتعدن عن نواهيك‏..‏

والرجال أيضا أصبحوا أسري حكمتك ونقدك اللاذع لهم في حمقهم أحيانا واندفاعهم وغرورهم وأنانيتهم لفض الاشتباك الذي لا ينتهي ولا يتوقف بين القط والفأر‏..‏ أقصد بين الرجل والمرأة‏..‏ ونحن لا نعرف من منهما القط ومن منهما الفأر؟وإذا كان القط يملك أظافر وأنيابا‏..‏ فإن الفأر يملك مكرا ودهاء‏..‏

لقد كنت تقود زورق الأسرة المصرية بفيض خبرتك وفائض حكمتك نحوبر الأمان؟وها هو زورق البيت المصري بعد رحيلك يا عزيزي

عبد الوهاب‏..‏ قد فقد حارس الدفة وموجه الشراع‏..‏من بعدك يا عزيزي ـ كما قالت لي سيدة فاضله ـ يغرق زورق المرأة‏..‏ وإذا غرقت المرأة وضاعت‏.‏ ضاع البيت كله زوجا وأولادا ومصيرا‏..‏ فالمرأة صمام أمان البيت وميزان صلاحه وفلاحه أو ضياعه وانحرافه‏..‏ متي صلحت صلح البيت كله ومتي فسدت‏..‏ فسدت الدنيا كلها‏..‏والكلمات هنا ليست كلماتي ولكنها كلماتك أنت يا عزيزي عبد الوهاب‏..‏
‏........‏‏........
‏عزيزي عبد الوهاب‏..‏ليس بيننا أسرار أو خبايا‏..‏ أشياء مذاقها عذب فرات‏..‏ وأشياء مذاقها مر أجاج‏..‏ وكلها محفوظة في القلب والخاطر والوجدان‏..‏ إنها حصاد رحلة تقترب عدد محطاتها من أربعين محطة في عمر الزمن‏..‏ عشناها معا ونحن نذوب هياما وصبابة عشقا وتيها في غرام فاتنة قادرة متمكنة ساحرة اسمها صاحبة الجلالة‏..‏ لم نفترق يوما‏..‏ نختلف نعم‏..‏ نتخاصم لا‏..‏ ولكنني هنا لا أملك حتي بعد رحيلك

عنا‏..‏ أن أفتح خزانة الأسرار‏..‏ فأحد مفاتيحها حملته معك إلي الدار الحق‏..‏ أما الثاني فإنه عندي في قرار مكين‏..‏

..‏هل تذكر أول مرة التقينا‏..‏؟كنا في أوائل عام‏1959..‏ كنت قادما لتوي من الجامعة بعد تخرجي في قسم الصحافة‏..‏ نحن الخمسة الأوائل الذين طلبهم الأهرام من أستاذنا الدكتور خليل صابات وبعد نحو عام في مطبعة مظلوم مع الرصاص والأحبار بفرمان من الدكتاتور الآمر الناهي توفيق بحري سكرتير تحرير الأهرام أيامها الذي استقبلنا وأمرنا أن ننزل كلنا إلي المطبعة‏..‏ وهربت الزميلة جيهان رشتي عميدة كلية الإعلام بعد ذلك إلي الجامعة وبقيت أنا أعمل في سكرتارية التحرير مع ماهر الدهبي وسمير صبحي‏..‏ حتي طلبت أن أصعد إلي فوق إلي قسم التحقيقات الذي كان يرأسه أيامها الأستاذ صلاح منتصر الذي قال لي‏:‏ ستعمل مع عبد الوهاب‏..‏ هو الذي سوف يري شغلك‏!‏ولأنني كنت نافشا ريشي علي الآخر‏..‏ فقد تذمرت في سري من هذا القرار‏..‏ كيف يراجع ما أكتبه تلميذ في سنة ثالثة صحافة‏..‏ كما كنت أيامها يا عزيزي عبد الوهاب‏..‏ وأنا الذي أحمل ليسانس صحافة ومن الخمسة الأوائل؟

ولكنك بهدوئك وابتسامتك والألفة التي تتدفق من عينيك ومن كلامك‏..‏ أذبت جبل التذمر في داخلي وأصبحنا بين يوم وليلة رفاق قلم‏..‏

وأصبحنا وكأننا عشنا عمرنا كله معا‏..‏وكان أول تحقيق نشر لك بالأهرام ـ كما قال لي الأستاذ صلاح منتصر ـ في أغسطس‏1958‏ وبدون توقيع‏..‏ لأنه كان من تقاليد الأهرام ولايزال ألا يكتب اسم المحرر إلا إذا حصل علي الشهادة أولا‏..‏ ثم نقابة الصحفيين ثانيا‏..‏

أما أول مرة نزل فيها اسمي علي تحقيق في الأهرام فكان في أكتوبر من عام‏1959..‏ كان الأستاذ صلاح هلال رحمه الله قد تولي رئاسة قسم التحقيقات‏,‏ بينما تفرغ الأستاذ صلاح منتصر لقطاع البترول‏..‏ وقدمت تحقيقا في صفحة كاملة عن أسبوع المرور‏..‏ ورفضوا نشر اسمي عليه‏..‏ وبكيت يومها بالدموع ودخلت للأستاذ علي حمدي الجمال وكان أيامها مديرا للتحرير الذي تجاوب مع مشاعري وأصدر أمرا بأن يكتبوا أسمي علي التحقيق الكبير‏..‏ وكتبوه ولكن ببنط‏9‏ ابيض في آخر عمود في التحقيق صفحة ثلاثة لا يكاد يلاحظه أحد‏..‏ ولكن تلقيت أول تهنئة منك أنت يا عزيزي عندما قلت لي‏:‏ عفارم أهو كده الشطارة واللا بلاش‏!‏وفرحت أمي فرحا كبيرا ولبست نظارة النظر وراحت تدقق حتي عثرت علي اسمي صغيرا باهتا في آخر الصفحة‏...‏ وقالت لي‏:‏ مادام اسمك موجود في الدنيا يا بني كفاية عليا‏!‏

ولكن في نفس الاسبوع ويوم الثلاثاء نشروا لي تحقيقا علي الصفحة الثالثة كلها وتفنن صلاح هلال في اخراجه وكان عن غرفة المومياوات التي فتحت أبوابها لأول مرة بعد خمسين سنة‏..‏ ولكنهم رفضوا نشر اسمي عليه وقالوا لي بالحرف الواحد‏:‏ هو معقول ينزل أسمك في الأهرام مرتين في اسبوع واحد يا أخي داهده‏!‏وطيبت أنت يا عزيزي عبد الوهاب خاطري‏..‏ وقلت لي يومها‏:‏ بس الحق قريبك إللي من بلدك القناطر‏..‏ محمود كامل ـ وكان أيامها مندوب الأهرام في وزارة الثقافة ـ داير يقول في الجرنان كله إن الموضوع ده بتاعه‏!‏
..........‏‏...........

‏عزيزي عبد الوهاب‏..‏هل تذكر مدي الألفة والانسجام والصداقة الحقة التي كانت تجمع بيننا في التحقيقات الصحفية أيام مجدها الذي لن يعود‏..‏ تحت جناح أب وأستاذ كبير لن يتكرر اسمه صلاح هلال؟انها أخلاق وسجايا زمن ولي وراح‏..‏هل تذكر أننا في بداية عملنا الصحفي كنا بصحة وعافية لا نهدأ ولا ننام ولكن مفلسين كالعادة‏..‏ لا ينام الجنيه في بيوتنا حتي الصباح‏..‏ وكان الواحد منا إذا من الله عليه برحلة يأخذ فيها خمسة أو عشرة جنيهات‏..‏ قبل ما يسافر لازم يعزم المجموعة أنت‏+‏ محمد زايد‏+‏ يحيي التكلي‏+‏ أنا‏..‏ علي أكلة كباب الكيلو كان ثمنه أيامها‏21‏ قرشا تصور‏+‏ دور شاي وشيشة علي قهوة ستراند‏+‏ حلاقة للشعر عند صالون لوكس‏+‏ جنيه أو اثنين للزميل محمد زايد ـ وأرجو ألا يزعل ـ قبل تعيينه‏..‏ ثم يسافر صاحب الرحلة المحظوظ مصحوبا بدعوات الجميع دون حسد‏!‏هل تذكر يوم أن انتفض الزميل محمد زايد وقرر أن يعزم الزميلة الراحلة نادية عبد الحميد الزوجة الأولي للزميل صلاح منتصر علي كباب في الحسين مع الرفاق بمناسبة عيد ميلادها‏..‏وذهبنا كلنا نحو عشرة من قسم التحقيقات وأذكر منهم أنت‏+‏ نادية‏+‏ عايدة رزق‏+‏ علية سيف النصر‏+‏ لميس الطحاوي‏+‏ بهيرة مختار‏+‏ رياض توفيق‏+‏ محمد زايد صاحب العزومة‏+‏ أنا‏..‏ وبعد أن جلسنا في محل الكباب‏..‏ همس محمد زايد في أذني‏:‏ أنت معاك فلوس‏.‏قلت‏:‏ يادوب حاجة علي ما قسم‏!‏قال‏:‏ طب وعبد الوهاب‏..‏ قلت‏:‏ شرحه‏..‏قال‏:‏ والعمل‏!‏ أنا معاييش إلا اثنين جنيه‏..!‏ ورحنا نجمع من جيوبنا بما فينا صاحب العزومة‏..‏ وانتهي الاحتفال برغيف‏+‏ ثمن كباب لكل واحد مع البقدونس‏!‏ولكننا يومها ضحكنا بمليون جنيه‏!‏أيام الفلس ياعزيزي كنا نضحك من قلوبنا‏..‏ واليوم لم يعد أحد يضحك‏..‏ وإذا ضحكنا فإنه ضحك كالبكاء‏!‏هل تذكر يوم ذهبنا إلي الهيلتون أول الفنادق الكبري في القاهرة في الستينيات ولم يكن معنا كالعادة ثمن عشاء الهيلتون‏..‏ وقادنا محمود كامل بظرفه وجرأته إلي المائدة المحجوزة دائما للأستاذ محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام أيامها‏..‏ وقال للمترودوتيل‏:‏ الأستاذ باعتنا عشان نتعشي‏..‏ قال‏:‏ تفضلوا‏..‏ وتفضلنا ونحن نضرب أخماسا في أسداس‏..‏ ولكن جرأة محمود كامل شجعتنا‏..‏ وتعشينا وجاءت الفاتورة بأكثر من‏400‏ جنيه يعني نحو‏4‏ آلاف جنيه بأسعار هذه الأيام‏..‏واسقط في يدنا‏..‏ ولكن محمود كامل بمكره قال للمترودوتيل‏:‏ الفاتورة دي يا حبيبي تدخل في حساب الأستاذ‏!‏وغاب بعضنا عن الأهرام خوفا بحجة المرض‏,‏ أو إجازة سنوية وأصبحنا نتحاشي لقاء الأستاذ في الطرقات والاجتماعات‏..‏ حتي قفشنا مرة وقال لنا‏:‏ معقولة‏..‏ تتعشوا بـ‏400‏ جنيه‏..‏ انتوا كلتم الهيلتون بحاله‏!‏ثم ابتسم ومضي‏..‏
...........‏‏...........‏

عزيزي عبد الوهاب‏..‏أنت في بريد الجمعة قلبت علينا المواجعوأظهرت ما خفي من أسرار وخبايا لم نكن نتصورها‏..‏ وأصبحت أنت قاضي الهموم المصرية‏..‏ ونصير المرأة‏..‏ والمدافع عن الحق والدين وشرع الله دائما وأصبحت كل نساء مصر من قرائك وعشاقك‏..‏وأصبحت الوحيد من جنس الرجال الذي تسمع النساء كلامه دون تردد ودون صراخ ودون اعتراض‏..‏ أما نحن فلنا الله‏..!‏ولن أنسي أبدا قصة الخادمة العمياء التي كتبتها في بريد الجمعة وأذاقها من تعمل لديهم الامرين‏..‏ ثم تزوجت ابنة مخدومتها وأنجبت طفلا وكان ياسبحان الله أعمي‏..‏ ثم أعقبته بطفل آخر أعمي‏..‏ إنه أنتقام السماء‏!

‏عزيزي عبد الوهاب‏..‏أتذكر يوم عرض علي الأستاذ إبراهيم نافع أن أصدر مجلة للأطفال‏,‏ وكنت يومها معنا في مكتبه‏,‏ وقلت له‏:‏ عزت ده جن مصور يا أستاذ إبراهيم زي عفاريت سيدنا سليمان بالضبط‏!‏واستطعنا بعد‏18‏ شهرا من التعب والسهر والدراسة والبحث ان نصدر أجمل واروع مجلات الاطفال في العالم العربي باسم علاء الدين التي ظلت محتفظة بمركزها الأول طوال تسع سنوات كاملة ووصل خلالها توزيعها الي ما فوق السبعين ألف نسخة اسبوعيا وأسألوا الأخ ابراهيم نصر مدير عام التوزيع‏!‏
عزيزي عبد الوهابوسط بستان محاسنك تنبت المساويء ومساوئك عندي اثنان‏:‏‏1‏ ـ انك نسيت نفسك وجرت علي صحتك وتصورت أنك

مازلت فتيا عفيا ما كنت تفعله وأنت في العشرين‏..‏ تفعله وأنت في الستين‏..‏ لم ترحم نفسك أبدا ورحت تشد قوس الحياة إلي نهايته‏..‏ فكانت النهاية‏..‏‏2‏ ـ أنك ظللت كتوما مثل أبو الهول لا تتكلم ولا تحكي حتي لأقرب الناس إليك‏..‏ كتمت آلامك وصبرت صبر أيوب‏..‏ ونحن من حولك لا ندري شيئا عنك ولا نعرف حتي سقط فوق رؤوسنا الخبر‏!‏
...........‏‏...........

‏هو بالقطع أكثر المشاهد أيلاما وألما في حياة الإنسان‏..‏ عندما تودع أعز الناس إلي مثواه الأخير‏..‏الشمس تلهب الرؤوس‏..‏ الساعة الواحدة والنصف كنا في دسوق مسقط رأسك يا عزيزي عبد الوهاب‏..‏ مقام سيدي إبراهيم الدسوقي بقبابه ومآذنه عن يسارنا‏..‏ وأنا والفارس الثالث محمد زايد نلهث جريا وراء الجنازة‏..‏ قالوا لنا لقد تأخرتم دقائق‏..‏ نزلت أنا من السيارة وعدوت ورحت أزاحم المشيعين ويزاحمونني‏..‏ قابلني الزميل سامي متولي الذي شهد النهاية الحزينة‏..‏ وعاشها لحظة بلحظة والحزن قد أنهكه وأضناه‏..‏وصلت إلي باب المقبرة‏..‏ الزميل حسن عاشور يردد أورادا وآيات والكل من حوله يرددون‏..‏ أصوات البكاء والنحيب تتعالي‏..‏ أبحث عن دموعي فلا أجدها‏..‏ أنهم يسدون باب القبر علي أغلي الأحباب‏..‏ أطلب من الجميع أن يتركوني معه‏..‏لا أعرف ماذا قلت له في هذا الموقف المهيب‏..‏ وكم من الدموع ذرفت كل ما أذكره الآن أنني قلت‏:‏ـ إيه يا عبد الوهاب‏..‏ إلي أين أنت ذاهب دون كلمة وداع‏..‏ نم قرير العين مرتاح الفؤاد فكتابك بيمينك ناصع البياض مشمس الصفحات‏..‏أنت الآن بين يدي الديان خلف هذا الباب الصغير الذي يغلقونه أمامي بالأسمنت‏..‏

وأنا واقف علي الباب‏..‏ وغدا تتبدل الأمور وأصبح أنا في الداخل‏..‏ ولا أعرف من الذي سوف يقف في الخارج يدعو لنا بالرحمة‏..‏الإنسان يا عزيزي يقف في حياته مرات أمام هذا الباب الذي يفصل بين الحياة والموت ومرة واحدة أخيرة خلفه‏.‏جفت الأقلام ورفعت الصحف‏..‏ وسلام يا صاحبي‏!


<